سلوكيات أباطرة المال ، مدعاةٌ للاحتجاجات

يقول الممثل الكوميديُّ الأمريكيُّ الأسمر كريستوفر جوليوس روك : ” تندلع المواجهات الشديدة في الشوارع ، لو عرف الفقراء حجم ممتلكات الأثرياء “

بين المحرومين و الأثرياء فجوةٌ سحيقةٌ غير قابلةٍ للقياس ، كما تفاوتٌ صارخٌ بين المستويات ، و التوازن بين فئات المجتمع ليس في أدنى مستوياته فحسب بل معدومٌ ، و علاقةٌ مشبوهةٌ تربط الأثرياء ببعض المسؤولين من العيار الثقيل ، و عددٍ من فطاحل السياسيين ، و رهطٍ من رجال الأمن رفيعي المستوى .

هشاشةٌ مفتعلةٌ من أجهزة الرقابة ، و ضبطٌ منفلتٌ مقصودٌ فيما يخص مصالح تلك الفئات .
أغلال القوانين تذوب متبخرةً كلما اقتربت من وهج حرارة جيوب حيتان الفساد . و في الخفاء الضغوط السرية تجعل العدالة تفر هاربةً من منافذ قاعات المحاكم ….

و لما كانت البلدان لا تدار إلا بالقوانين التي قد وضعت لتكون بنودها سيوفاً بتارةً في وجه العصاة و المارقين ، فإن التغاضي عنها ، أو انتقاء التطبيق بعنايةٍ فائقةٍ جعلتها لا تقطع سوى رقاب الفقراء .
و ما رجاؤك بدولةٍ تعدل بنود دستورها خلال سويعاتٍ ، لتكون على مقاس فردٍ واحدٍ ، مقابل إهمال مصالح عشرات الملايين من أبناء البلد ؟!!

كما العادة بأن الثروة تتراكم على مر الزمن ، و ليست في غفلةٍ من الجميع ، كالثراء المفاجئ في زمن الأزمات .
البلدان المتأزمة المتآكلة في أتون الفوضى العارمة و جحيم الحروب الأهلية تشكل مناخاً ملائماً لتهريب السلاح و تجارة المخدرات و مافيا المحروقات بالتجارة سراً حتى مع المنظمات غير الشرعية و التعامل مع الإرهاب ، بغية تكديس المال و جمع الثروة في أقرب وقتٍ ، كما حكر الصفقات الثقيلة لعمليات البيع و الشراء على فاسدٍ واحدٍ و تحكمه بألأسعار بمفرده إلى حد التغول .

نتفق مع ممثلنا الأسمر كريستوف روك على انتقاد العامة للأثرياء و الحقد الجماعيِّ العارم على سلوكيات رجال مافيا الفساد و تراكم حجم ثرواتهم .
حيث معظم العقارات في الأحياء الراقية من نصيبهم ، و مثلها الشركات الاستثمارية الكبرى ، و استثمار الأوراق المالية غير الاعتيادية ، و شركات الأعمال الفنية و تجارة تأجير خطوط الطيران … الخ أما اليخوت و السيارات الفارهة و الألبسة الفاخرة فحدث ولا حرج .

الكثير من الاحتجاجات التي جرت في العالم سببه اتساع الهوة بين الأغنياء و الفقراء ، و انحياز القادة و المسؤولين لأباطرة المال .
ففي مظاهرات السترات الصفراء بشوارع فرنسا ، أغلب أبناء الطبقة الوسطى و معهم الفقراء احتجوا ، و قالوا بالحرف : ” إن ماكرون بات رئيساً لأقليةٍ من الأغنياء فقط ، و ليس حتى لكل الأغنياء “
و طبقاً لبعض المصادر فإن خروج الكثير من المحتجين الإيرانيين إلى الشوارع ، كان بغرض مهاجمة أولاد الأثرياء ، نتيجة ابتزازهم الدائم لأبناء الطبقات الفقيرة و المستضعفين .
و ما حدث في 26 مايو 2020 ، و يحدث الآن في أمريكا لا يخرج عن الإطار ذاته و لسببين اثنين : الأول عنصريٌّ ذو جذورٍ قديمةٍ ، و الثاني أزمةٌ ماليةٌ مكتومةٌ تراكمت منذ عقودٍ .
و إن كان مقتل جورج فلويد ، و رفض ترامب لنتائج الانتخابات سببان مباشران للاحتجاجات التي جرت .

غير أن استفزاز البعض منهم وصل إلى حد ضرب كل القيم و المبادئ النبيلة و قدسية الثوابت الوطنية و الهوية القومية عرض الحائط ، و ذلك بإحياء ليالي السلاطين ، و الزفاف على الطريقة العثمانية ، مع فرق الرقص و الأفراح وسط الأضواء الخافتة على طراز أنواع الشموع التي تعكس ظهور التراث القديم للمجتمع التركيِّ . حيث يتشبه العريس ليلة زفافه كسلطانٍ عثمانيٍّ عظيم المقام متوجٍ على رأس مقاليد الحكم ، و بجلبابٍ من القماش الفاخر ، و رداءٍ من نسيجٍ عالي الجود مصنوعٍ من ألياف الحرير و القطن ، مطرزٍ بخيوطٍ ذهبيةٍ على غرار موضة أحفاد أورطغرل العائدة إلى القرن السادس عشر ، ثم الرقص أمام عروسٍ تقمصت هي الأخرى شخصية حرم السلطان المبجل ، بتسريحة شعرها و فستانها المزركش ، و قفطانها المزخرف ، و التاج العثماني يعلو رأسها ، لإبهار العيون الناظرة على عظيم قدرها و رفعة مقامها و علو شأنها …
فكيف لا و قد زفت عروساً لابن أحد الأثرياء كبير حيتان الفساد ؟!
حقاً إنه كان استفزازاً حافلاً بالسخط ، مهيجاً للغضب ، مؤججاً للغيظ ، مثيراً للاحتجاج و أعلى درجات القرف كما أوج التقزز

ذكرت مجلة فوريس الأمريكية في عددها الصادر عام 2018 عن رجل الأعمال المصري ناصيف ساويرس البالغة ثروته قيمة 6،6 مليار دولار ، أن ثروته زادت مقدار 100 مليون دولار في آخر 24 ساعة مقارنةً باليوم السابق ، لتسجل 6،7 مليار دولار . و الذي كان يعتبر أغنى من الرئيس الأمريكي ترامب بضعفين ، حيث قدرت ثروة الأخير ب 3،1 مليار دولار . و كان هذا قبل عامين ، فما بالك بحجم ثروتهما و قد اقتحمنا مطلع سنة 2021 .

و كان هذا غيضٌ من فيضٍ بالمقارنة مع حجم الثروة للملك السعوديِّ البالغ فقط 18 مليار دولار .
أما تكاليفه الشهريُّ فمقداره 800 مليون دولار ، مقارنةً براتب المستشارة الألمانية ميركل البالغ 18 ألف يورو .

نعم هؤلا هم المولعون بحياة الترف و البذخ و الرفاهية العالية و التبذير و الانفاق المفرط …. جدران قصورهم من الذهب و مثلها تصميمات طائراتهم الخاصة ، إضافةً لأواني المطبخ من الملاعق و الصحون ، كما الملابس المرصعة بالذهب …
حجم ثروة البعض من هؤلاء الأثرياء يفوق أضعاف ميزانية دولةٍ كسورية ، بينما أغلب أبناء شعوبهم يعيشون في فقرٍ مدقعٍ .