عفرين… الجرح النازف أبداً

كمشةٌ من الرُّوح

الرجل العجوز اتكأ على عكازته وقدماه تغوصان في أوحال المخيم، استرق النظر بعيداً نحو الأفق باتجاه عفرين، إذ بدت حقول أشجار الزيتون بتيجانها تلمع فيما تبقّى من ضوء الشَّمس، أصاخ السمع إليها؛ كما لو كان يسمع آهات تلك الأشجار ونداءاتها…؟

في هذه الرمقةِ من النَّظر تذكر شريط عمره مع حقل الزيتون، حيث كلُّ شجرة فيه تحمل كمشةً من روحه، تذكّر كرم تلك الأشجار وخيراتها وظلالها. لبرهةٍ أغمض عينيه على دموع مقهورة والتفت خلفَهُ حيث الخيام المتلاصقة تنتصب في العراء، شاهدة على صفقات الذل والخنوع، سحب دخان سيجارته بنفسٍ عميقٍ، وهجس لنفسه:

“إخوتنا المرتزقة” في (ما يُسمّى) الوطن لم يكونوا أكثر من أبي رغال…!!

سماء

لم تكترث لصيحات “الله أكبر” وهم يتراقصون كالقرود حولها، بقيت شامخة حتى آخر شهقة في روحها، أسلمتها وهي تبتسم متطلعة إلى سماء خالية من السواد.

عراء موحش

جدران غرفتها المغتبطة بالألوان الزاهية، أغطيتها النَّاعمة الموشاة بصور أفلام الكرتون، خزانتها الملأى بشتى الألعاب، صوت أمها الحنون وهي تقصُّ لها حكاية ما قبل النوم، ها هي “نرفين الجميلة” تغطُّ في نوم هانئٍ عميق! الصور المبهجة لاتزال تجتاح مخيلتها حين استفاقت فجأةً على قهقهة ريح شديدة وهي تعبث بالخيمة في ذلك العراء الموحش، جلست الطفلة الصغيرة بفرائص ترتعد وهي تحدق في العتمة المتراكمة حولها كوحوش مفترسة:

ماماااااا…. أين أنت؟

صرخة مدويّة فحسب …!

لكنَّ الصمتَ كان ثقيلاً …!

أقرأ أيضاً: