روداوو – معد فياض

بعد انتكاسة ثورة أيلول الكوردية بقيادة الزعيم ملا مصطفى بارزاني، إثر اتفاقية الجزائر، عام 1975، سيئة الصيت، التي عقدها نيابة عن الحكومة العراقية صدام حسين مع شاه إيران محمد رضا بهلوي، والتي تنازل فيها عن حقوق البلد السيادية في شط العرب والأراضي البرية، مقابل أن يسحب الشاه دعمه للثورة الكوردية، واشتداد الهجمات العسكرية العراقية الظالمة على الثوار الكورد وقتذاك من أجل القضاء عليها، اضطر الزعيم الخالد ملا مصطفى بارزاني مغادرة كوردستان العراق مع نجله مسعود بارزاني إلى الولايات المتحدة للعلاج، عبر إيران.

حدثني الكاتب الإيراني المعروف أمير طاهري، الذي كان لفترة من الفترات مستشاراً للشاه، بأنه كان قد التقى لفترة قصيرة الزعيم ملا مصطفى بارزاني ونجله مسعود قبيل مغادرتهما طهران إلى واشنطن، وقال: “كان الشاب مسعود بارزاني يتطلع بين فترة وأخرى إلى ساعته، ورصدت في عينيه إصراراً وقوة على تحقيق أهدافه، وقلت في نفسي كأن هذا الشاب يريد أن يمسك الوقت بيده ويختصره ليعود لقيادة ثورتهم في انطلاقة جديدة وقوية”.

الثورة الكوردية، بعد هذه الاتفاقية لم تتوقف في الواقع، وبتوجيه من ملا مصطفى، قام مسعود بارزاني سوّية مع شقيقه إدريس بازراني ومجموعة من رفاقه بتنظيم صفوف قوات البيشمركة وتأسيس قيادة مؤقتة للحزب الديمقراطي الكوردستاني للدفاع عن الكورد ومنطقة كوردستان. ومهّد ذلك لاندلاع ثورة كولان في 26 أيار 1976، وبالفعل عاد مسعود بارزاني عام 1979، بعد وفاة والده ليواصل ثورتهم من أجل نيل حقوق الكورد القومية.

الوقت مهم جداً في حياة الزعيم مسعود بارزاني، ومعروف عنه أنه لا يهدر وقته، بل يستخدمه بدقة لتنظيم حياته وبرامجه السياسية تعويضاً عما فاتهم من سنوات لتحقيق أهدافهم المشروعة.

في غالبية حواراتي ولقاءاتي الصحافية مع الزعيم مسعود بارزاني كان متقشفاً في أجوبته، لكن هذا التقشف والاختصار لم ينل من الحقائق والمصداقية، وهذا رأي غالبية من تحاور معه، فإجاباته مختصرة لكنها كافية جداً، وهذا ما أحرج العديد من الصحافيين الذين كانوا يتوقعون أو يخططون لإجراء الحوار معه ويطلبون ساعة من وقته أو اكثر، لكنهم يجدون أنفسهم قد انتهوا من أسئلتهم بعشرين دقيقة أو أقل.

تأكدت من حقيقة تقشف الزعيم مسعود بارزاني في الوقت، مع حفاظه على دقة المعلومات ومصداقيتها، وأنا اقرأ كتابه الأخير “للتاريخ” الذي أهداني إياه، مشكوراً، مستشاره السيد مسعود حيدر، الكتاب الذي يحتوي على 264 صفحة من القطع الكبير، إضافة إلى 20 صفحة لصور الخرائط، زاخر بالمعلومات الدقيقة والوثائق المهمة التي يجب أن يطلع عليها كل قارئ، عراقي أو غير عراقي، باحث عن الحقيقة. ذلك أن كتاب” للتاريخ” الذي يتحدث عن فترات مهمة جداً لا يتناول تاريخ الكورد عامة، وتاريخ كورد العراق خاصة، فحسب، بل يتناول وفي فترات مفصلية، تاريخ تأسيس الدولة العراقية الحديثة التي أسهم الكورد بتأسيسها.

اقرأ ايضا : عامودا تبرعت للجزائر بجيل من أبنائها ولكن…

يتحدث بارزاني عن معاهدة لوزان عام 1923 التي أيد فيها كورد العراق، الذين كانوا يشكلون غالبية في الموصل، بقاءهم ضمن الدولة العراقية الحديثة حيث “وضع أمام سكان المناطق الكوردستانية خياران فقط

وهما: البقاء مع تركيا أو الانضمام إلى العراق”، منبهاً إلى أن الاتفاقية كانت قائمة “على أساس الشراكة بين الكورد والعرب” وبمصادقة عصبة الأمم. يستطرد الزعيم بارزاني قائلاً في كتابه “الكورد أنقذوا ولاية الموصل من أيدي تركيا”، ويتساءل “ولكن هل يتذكر العرب هذا الأمر؟ كما أشار إليه المندوب البريطاني سيسيل جي إدمونز في كتابه (كورد ترك عرب)، قال “وإنهم لعلى إدراك تام بما فعلوه، ويعني الكورد، أترى ستفتح الحكومة العراقية عينيها بهذه المناسبة وتتبنى سياسة كريمة بعيدة النظر اتجاه الكورد”، ويضيف الزعيم بارزاني، لكن “الحوادث والكوارث التي تعرض لها الشعب الكوردي على يد الدولة العراقية، كلها وثائق تدل على أن العرب نسوا الفضل الكوردي”.

كتاب الزعيم بارزاني “للتاريخ” يؤكد وبوثائق وخرائط دقيقة حقوق الكورد في كوردستان، كما تناول وبإسهاب، وبالوثائق أيضاً، موضوع استفتاء الكورد على الاستقلال الذي جرى عام 2017 والذي نال تأييداً شعبياً كبيراً.

في هذا الكتاب “للتاريخ” يرد الزعيم مسعود بارزاني، بالوثائق والخرائط المصدقة دولياً، على كل الأكاذيب والتخرصات التي أطلقها ويطلقها الشوفينيون، بقصدية، ضد وجود الكورد التاريخي في العراق وفي تركيا وإيران وسوريا ، فوق أرضهم الشرعية، وأتمنى على كل عراقي أو غير عراقي، كما ذكرت أعلاه، قراءة هذا الكتاب والتمعن بحقائقه قبل أن يطلق الأكاذيب أو يرددها خلافاً للحقائق المؤكدة.